السبت، 29 ديسمبر 2012

(الشيخ) رسالة من شاب مسيحي حرره إيمانه بالثورة من المخاوف


هذه الرسالة من شاب سوري مسيحي وصلت إلى بريد الأستاذ غسان عبود مالك تلفزيون الأورينت، وبعد إطلاع هيئة تحرير موقع أورينت نت عليها، ارتأينا نشرها لأنها تقدم مادة شديدة الأهمية عن تجربة عاشها هذا الشاب السوري خلال الثورة، فخلقت لدي قناعات ومفاهيم جديدة وغيرت الكثير من مجرى حياته.. وقد ارأتينا ترميز اسم صاحبها بالأحرف الأولى فقط… لأن من الواضح أنه يتحرج من الحديث عن نفسه كما ورد في نص رسالته، التي ترقى إلى مقال بديع عن تجربة ذاتية تستحق أن تقرأ فعلا.
* * *

- الشـــيخ *
اسمي (و. م. ص)، من مواليد 1977 في قرية قطينة التابعة لمحافظة حمص. عندما انطلقت شرارة الثورة العظيمة كنت في نيويورك أحاول إيجاد وطن بديل ولكن دون جدوى، انتابني الخوف لبرهة فكرت بمصير”نا” نحن “المسيحيين” في سوريا لأنني أعرف ما لا يعرفه الكثيرون عن طبيعة هذا المكون للمجتمع السوري بصفته عميلاً للنظام من الطراز الأول ويتبع نهجاً استنفاعياً طوال الوقت. قد يكون رأيي هذا بسبب معاناة شخصية وهم ” أبناء بلدتي” المسؤولين عن تهجيري لأكثر من 12 سنة.
حاولت بالمتاح أن أنضم لهذه الثورة العظيمة من خلال إنشاء بعض المجموعات على الفيسبوك مثل ” مسيحيو سوريا لدعم الثورة” و “لست مسيحياً إن لم أكن ثائراً”….
بعدما تصاعدت الأحداث وظهر الطابع الدموي لتلك العصابة ، صار الفارق كبيراً بيني وبين مجتمعي القديم في البلدة حتى انقطع اتصالي مع الجميع. علمت حينها أن الثورة هي الأم التي طالما حلمت بها، الأم الصادقة التي لا تراوغ ولا تمالئ.
ما عاد بوسعي الانتظار أكثر … وفي ليلة قمت بحجز بطاقة طائرة إلى تركيا بعد أن علمت أن التسلل من تركيا إلى سوريا ممكن وأسهل من لبنان أو الأردن.
كان ذلك في الشهر الثامن من سنة 2011 . لم أستطع الوصول لأحد في اسطنبول يمكنه إرشادي ولكني عرفت أن محطتي التالية يجب أن تكون الحدود.
من خلال خبر قرأته عن زيارة أنجلينا جولي لمخيمات اللاجئين تعرفت إلى مكان أحد المخيمات وتوجهت إليه وهو مخيم “بونيوغن” الموجود على الحدود بجانب بلدة “حجي باشا ” التركية.
لا أنكر الرهبة التي كانت تعتريني كوني مقبل على الدخول في عالم ” لا أنتمي إليه” كما علمتني سنين الدراسة عن الإسلام وهمجيته.
وفتها كان المخيم يحوي حوالي 4000 شخص. على الباب الرئيسي لم يسمح لي بالدخول قبل أن يستشيروا اللجنة المحلية المسؤولة عن المخيم ، وهي تتكون من أشخاص تم “انتخابهم” من أهالي المخيم لإدارة شؤونهم.
منذ اللحظة الأولى صرحت بأنني مسيحي تلافياً لأي عواقب فكرت أنها قد تنتج عن إخفاء هكذا أمر. قدم شابان من اللجنة لمقابلتي وكانا يحاولان جاهدين إظهار الود والترحيب برغم الارتباك الظاهر عليهما. وعلمت فيما بعد سر هذا الارتباك وذلك أنه تم الاجتماع للجنة وتوصلوا إلى قرار خطير باستقبالي في المخيم فإن كنت جاسوساً سيتم التعامل معي وإن كنت صادقاً فهذا مكسب كبير لهم.
في ذلك اليوم قدم اثنان من المخابرات التركية وقاما باستجوابي لما يقارب أربع ساعات وهما لا ينكران شكوكهما حول نواياي وسبب قدومي.
أخيراً سمح لي بالدخول مع حجز جهز الكومبيوتر خاصتي وجهاز الهاتف. اصطحبني عز الدين وهو رئيس اللجنة إلى خيمة مجاورة لخيمته وقام بإحضار الطعام وكل ما قد أحتاجه. نمت عميقاً تلك الليلة وشعور بالطمأنينة لم أعرفه طوال سنوات في المهجر.
في الصباح بدأ الشباب بالتوافد إلى الخيمة للتعرف على هذا “الحمصي” الغريب القادم من نيويورك ….. أهو مجنون؟ ماذا وراءه؟
أتى وائل، ماهر، ملهم ، رائد، عروة، حسام، المهندس بسام، العم أبو عزو، الدكتور عبد الرحيم….. أتوا كلهم وكانوا في غاية الطيبة والكرم.
شيئاً فشيئاً بدأت الحواجز الوهمية تتلاشى … تلك الحواجز الناشئة عن سياسة ممنهجة تقصد إبعادنا عن بعض… فعلمت أنهم ليسوا بمجرمين ولا هم بهمج وهم أيضاً عرفوا أننا “المسيحيين” لسنا بـ ” فلتانين” دون شرف أو عرض.
مرت الأيام واستعدت كومبيوتري وتلفوني وأصبحت خيمتي ملتقى لكل الشباب .. جمعنا النقود واشترينا انترنت وبدأت العمل على إنشاء حسابات للشباب على الفيسبوك والسكايب… بدأت أتواصل مع جهات عدة بغية التعريف بهذا الشعب الفريد.
شاركت في العديد من المهام مع بعض الكتائب ولا زلت… قمت بتدريب بعض الشباب على تحرير وإنتاج الفيديو وأحدهم يعمل مع الأورينت حالياً برغم عتبي عليه.
مرت علينا ظروف صعبة بسبب الأمطار والثلوج..
بعد فترة من بروز اسمي في المخيم بدأ رجال الدين بالتوافد إلى خيمتي… ليس لدعوتي للإسلام وإنما للتعرف على هذا الغريب… والنتيجة أن الجميع اليوم ينادونني بالشيخ وصدقاً لا أعلم لماذا !!
كل ما هنالك أن علاقتي مع الشيوخ توطدت بشكل كبير ومن خلال تعمقي بالقراءة عن الإسلام أصبح الشيوخ يستعينون بي عندما يريدون الدعوة لفكرة أو عمل على مبدأ: “انظروا لهذا المسيحي. إنه يطبق الإسلام أحسن منكم”
أكره كثيرا التحدث عما جرى معي لأنه يندرج تحت التفاخر والاستعلاء والكبرياء.. لكن والله العظيم أصبحت إنساناً بعد التعامل مع عائلتي الكبيرة الحقيقية.
في خيمتي يجتمع أبو عمار العلماني وصهيب السلفي ورائد الأخونجي والشيخ أحمد إمام المسجد والشيخ بلال رئيس المحكمة الشرعية في سلقين وتبدأ السهرة بالمشاجرة والمشاحنة حتى الصباح…
إنها حياة حقيقية … إنهم أهلي وأحبابي…. خالتي أم عمار ترسل لي الطعام يومياً… زوجة أبو كفاح اللادقاني تقول لي أنني السبب في إمكانية طلاقها لأنها لا ترى أبو كفاح إلا قليلاً مع العلم أنها تطلب مني يومياً أن أدعوه لخيمتي كي تتفرغ للأولاد…

أستاذ غسان… أحببت أن أطلعك على شيء مما حصل معي وكيف أن المستقبل يجب أن يكون لنا …
لدي تجربة أخرى مقيتة ومزعجة وتظهر كيف أن الغرب من خلال صحافته يريدون تشويه هكذا واقع. ويسرني أن أكتبها لك في حال وجدت الموضوع يحوذ على اهتمامك.
أشكرك على الوقت الذي قضيته لقراءة هذه الرسالة وأتشرف بالحصول على رد منك.
الله سوريا حرية وبس
يلعن روحك يا حافظ

* العنوان الذي عنون به الكاتب رسالته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق