الأحد، 30 ديسمبر 2012

هل غادر اللواء محمد الشعار فعلاً لبنان؟


تكثر الأقاويل عن أسباب مغادرة وزير الداخلية السوري محمد الشعار السريعة لبنان، وهل غادر فعلاً؟ تتعدد الروايات عن مكان وجوده، منها ما يقول إنه اتجه إلى مطار بيروت ولم تعرف وجهته بعد ذلك. ومنها ما يفيد أنه استقلّ طائرة لكنه لم يتوجه إلى دمشق.
لكن المفارقة الغريبة، أنّ أي معلومات رسمية لم تؤكد حتى الساعة وصوله إلى دمشق، وماذا حلّ به فعلياً. فهل وصل إلى العاصمة السورية؟ وهل غادر لبنان؟ أم لحق بجهاد المقدسي إلى جهة مجهولة؟
تزخر صفحات التواصل الاجتماعي بأخبار ومآثر الشعار، الضابط السوري الذي دخل مدينة طرابلس في خريف العام 1985 بعدما دكّ جنوده شوارع المدينة بأطنان من القذائف الصاروخية، وما تلا ذلك من مجازر في باب التبانة وجبل محسن، ثم اغتيال “أبو عربي”، الزعيم الشعبي في التبانة الذي لم تمحَ ذكراه حتى اليوم من وجدان أبناء المنطقة، حسب ابناء عاصمة الشمال.
هو نفسه محمد الشعار الذي هرب الى بيروت بعدما طاولته يد ثوار سوريا في عمق دمشق. ولعل التعليقات تكشف جانباً من الجراح التي خلّفها الشعار كأول ضابط سوري دخل طرابلس واضطهد أهلها. فهناك من يدعو الى محاكمته، وهناك من يمجّد عدالة السماء التي لا تترك حقاً إلا وتطاله ولا تترك مظلوماً وفي قلبه غصة.
والمفارقة التي أضاء عليها “الفايسبوك” تكمن في تاريخ 19 الجاري، ففي مثل هذا اليوم وقعت مجزرة التبانة عام 1986، وفي اليوم نفسه بعد 26 عاماً نقل الشعار إلى مستشفى الجامعة الاميركية، مع تعليقات لا تخلو من نفحة إنسانية لمَن فقد قريباً له في مجزرة دامت ثماني ساعات قضى فيها عدد كبير من الأبرياء.
لم تقلّ ممارسة الشعار بعد مجزرة التبانة، بشاعةً وبطشاً في طرابلس خصوصاً انه لم يكن يراعي حرمة أو كرامة، بل كان يتعرض للجميع بقسوة وعنف، ولا تخلو تعابيره من شتائم “من الزنار ونازل”، فيكاد لا يتوجه إلى سياسي إلا بكلمات نابية ومن لا يرد، فالمصير الاسود في انتظاره.
هذا التعرض للكرامات لم يتوقف عند حد، لدرجة أن كبار شخصيات طرابلس كانوا يتجنّبون الاجتماع بمحمد الشعار. ولجنة التنسيق الشمالية، برئاسة الرئيس الراحل رشيد كرامي، لم تنجُ منه.
وهناك رواية متداولة تتعلق برئيس البلدية الراحل عشير الداية، تفيد بأن الشعار تدخل بشكل فظ في عمل الداية، فأبلغ تهديداً الى كرامي الذي طلب منه التواري عن الأنظار ريثما يصل الى طرابلس ويحل الأمر. فما كان من الداية الا أن اختفى من البلدية، وبعد سلسلة مطاردات، علم الشعار بأن الداية موجود في إحدى البيوتات السياسية فتوجه فورا الى المنزل وحاول اقتحامه من دون مراعاة اي حرمة، وانتهت المواجهة في حينها بضجة وجلبة.
رواية أخرى تفيد بأن مجموعة شبان تعهّدوا عرض مسرحية “صيف 840″ للأخوين رحباني على مسرح الرابطة الثقافية في طرابلس، مما أزعج الشعار كثيراً كون المسرحية المذكورة تبث الروح الوطنية اللبنانية، وكاد أن يلقي بالشبان في السجن لولا تدخل الفنان عبد الحليم كركلا حينها لدى النظام السوري.
لعلّ سرد هذين النموذجين يذكّر بأن ممارسات الشعار تخطت الأبعاد الأمنية والسياسية للتدخل في خصوصيات الناس في طرابلس، وأصدق تعبير ما قالته شخصية سياسية بارزة في طرابلس عندما علمت بحالته الصحية: “لعل الشعار لم يفهم الدرس في لبنان فوقَع في فخ أعماله في دمشق، ومن يتعرض لكرامات الناس مهما كان ممنوعاً ومستنكراً، يدفع ثمن شرور أعماله”.
في النهاية، لا بد من الإشارة إلى أنها مفارقة غريبة أن يصل مسؤول بمستوى وزير الداخلية السوري إلى لبنان وإلى مشفاه الشهير في مبنى الجامعة الأميركية ولأسباب صحية بغاية الدقة، من دون أن يعوده أحد من المسؤولين اللبنانيين، على عكس الأيام الغابرة عندما كان المسؤولون الكبار يتهافتون للاطمئنان إلى صحة أي مسؤول سوري صغير يلجأ إلى العلاج في لبنان.
والأغرب هو عدم صدور تقارير طبية رسمية تشرح حال الشعار الصحية، وأن أحداً من المسؤولين لم يقابله شخصياً ولم تلتقط له أي صورة طوال فترة علاجه تؤكد حضوره فعلاً إلى لبنان باستثناء إجراءات أمنية شكلية تمركزت أمام مبنى المستشفى!
فما سرّ قدوم الشعار إلى لبنان؟ وإذا كان فعلاً مصاباً، لماذا لم يعالجه الأطباء الروس الموجودون بكثافة في دمشق ومنهم من يعالج ماهر الأسد في المشفى الخاص الذي أنشأه حافظ الأسد داخل القصر الجمهوري؟ ولماذا لم ينقل في طائرة خاصة للعلاج في روسيا؟
فهل من قطبة مخفية في رواية مجيئه إلى لبنان، عرفها البعض وجهلها كثيرون؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق